الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **
فيكون يقطع مكاناً ويتحرك إلى مكان آخر ومكانه متحرك على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز ذلك لأنه إذا تحرك مكانه نحو بغداذ فتحرك هو في ذلك الوقت نحو البصرة وجب أن يكون متحركاً في جهتين في وقت واحد وذلك محال وهؤلاء هم الذين قالوا أن الشيء إذا تحرك مكانه فهو متحرك. وقال قائلون: ذلك جائز لأنه ليس إذا تحرك مكانه كان متحركاً بل يكون مكانه متحركاً وهو ساكن. واختلف المتكلمون هل يكون الساكن في حال سكونه متحركاً على وجه من الوجوه على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز ذلك وقال قائلون: ذلك جائز وذلك أن الصفحة العليا من رأس ابن آدم إذا أزال الإنسان رأسه عما كان يماسه من الجو وماس شيئاً آخر فهي متحركة لمماستها شيئاً من الجو بعد شيء وهي ساكنة على الصفحة الثانية التي تحتها فهي متحركة عن شيء وساكنة على شيء آخر وهذا زعم لا يتناقض كما لا يتناقض أن تكون مماسة لشيء مفارقة لشيء آخر في وقت واحد ويتناقض أن تكون ساكنة على شيء متحركة عن ذلك الشيء في وقت واحد كما يتناقض أن تكون مماسة لشيء مفارقة لذلك الشيء في وقت واحد. أم كيف القول في ذلك على مقالات: فقال النظام: الأجسام كلها متحركة والحركة حركتان حركة اعتماد وحركة نقلة فهي كلها متحركة في الحقيقة وساكنة في اللغة والحركات هي الكون لا غير ذلك وقرأت في كتاب يضاف إليه أنه قال: لا أدري ما السكون إلا أن يكون يعني كان الشيء في المكان وقتين أي تحرك فيه وقتين وزعم أن الأجسام في حال خلق الله سبحانه لها متحركة حركة اعتماد. وقال بعض المتفلسفة: الجسم في حال ما خلقه الله سبحانه يتحرك حركة هي الخروج من العدم إلى الوجود. وقال معمر: الأجسام كلها ساكنة في الحقيقة ومتحركة على اللغة والسكون هو الكون لا غير ذلك والجسم في حال خلق الله له ساكن. وقال أبو الهذيل: الأجسام قد تتحرك في الحقيقة وتسكن في الحقيقة والحركة والسكون هما غير الكون والجسم في حال خلق الله سبحانه له لا ساكن ولا متحرك. وقال الجبائي أن الحركات والسكون أكوان للجسم والجسم في حال خلق الله له ساكن. وكان عباد يقول أن الحركات والسكون مماسات والجسم في حال خلق الله له ساكن وأبى كثير من أهل النظر أن تكون الأكوان مماسات وقالوا أنها غير مماسات. فقال قائلون من أهل التوحيد منهم أبو الهذيل وغيره أن الله سبحانه سكنها وسكن العالم وقال قائلون: خلق الله سبحانه تحت العالم جسماً صعاداً من طبعه الصعود فعمل ذلك الجسم في الصعود كعمل العالم في الهبوط فلما اعتدل ذلك وتقاوم وقف العالم ووقفت الأرض. وقال قائلون أن الله سبحانه يخلق تحت الأرض في كل وقت جسماً ثم يفنيه في الوقت الثاني ويخلق في حال فنائه جسماً آخر فتكون الأرض واقفة على ذلك الجسم وليس يجوز أن يهوى ذلك الجسم في حال حدوثه ولا يحتاج إلى مكان يقله لأن الشيء يستحيل أن يتحرك في حال حدوثه ويسكن. وقال قائلون أن الله سبحانه خلق الأرض من جسمين أحدهما ثقيل والآخر خفيف على الاعتدال فوقفت الأرض لذلك. وقد ذكرنا قول المتقدمين في ذلك في الموضع الذي وصفنا فيه قول الناس في الفلك وفي وقوف الأرض في كتاب مقالات الملحدين. واختلف الناس في الحركة هل تكون سكوناً أم لا: فقال أكثر أهل النظر: ذلك لا يجوز وقال قائلون: إذا صار الجسم إلى المكان فبقي فيه وقتين صارت حركته سكوناً. واختلف الناس في المداخلة والمكامنة والمجاورة: فقال إبراهيم النظام أن كل شيء قد يداخل ضده وخلافه فالضد هو الممانع المفاسد لغيره مثل الحلاوة والمرارة والحر والبرد والخلاف مثل الحلاوة والبرودة والحموضة والبرد وزعم أن الخفيف قد يداخل الثقيل ورب خفيف أقل كيلاً من ثقيل وأكثر قوة منه فإذا داخله شغله يعني أن القليل الكيل الكثير القوة يشغل الكثير الكيل الثقيل القوة وزعم أن اللون يداخل الطعم والرائحة وأنها أجسام ومعنى المداخلة أن يكون حيز أحد الجسمين حيز الآخر وأن يكون أحد الشيئين في الآخر وسنذكر قوله في الإنسان وقد أنكر الناس جميعاً أن يكون جسمان في موضع واحد في حين واحد أنكر ذلك جميع المختلفين من أهل الصلاة ومن قال بقوله. وقال أهل التثنية أن امتزاج النور بالظلمة على المداخلة التي ثبتها إبراهيم. وقال ضرار أن الجسم من أشياء مجتمعة على المجاورة فتجاورت ألطف المجاورة وأنكر المداخلة وأن يكون شيئان في مكان واحد عرضان أو جسمان. وقال أكثر أهل النظر أنه قد يكون عرضان في مكان واحد ولا يجوز كون جسمين في مكان واحد منهم أبو الهذيل وغيره. وحكى زرقان أن ضرار بن عمرو قال: الأشياء منها كوامن ومنها غير كوامن فأما اللواتي هن كوامن فمثل الزيت في الزيتون والدهن في السمسم والعصير في العنب وكل هذا على غير المداخلة التي ثبتها إبراهيم وأما اللواتي ليست بكوامن فالنار في الحجر وما أشبه ذلك ومحال أن تكون النار في الحجر إلا وهي محرقة له فلما رأيناها غير محرقة له علمنا أنه لا نار فيه. وقد قال كثير من أهل النظر أن النار في الحجر كامنة حتى زعم أنها في الحطب كامنة الإسكافي وغيره. وحكى زرقان أن أبا بكر الأصم قال: ليس في العالم شيء كامن في شيء مما قالوا. وقال أبو الهذيل وإبراهيم ومعمر وهشام بن الحكم وبشر بن المعتمر: الزيت كامن في الزيتون والدهن في السمسم والنار في الحجر. وقال كثير من الملحدين أن الألوان والطعوم والأراييح كامنة في الأرض والماء والهواء ثم يظهرن في النسرة وغيرها من الثمار بالانتقال واتصال الأشكال بعضها ببعض وشبهوا ذلك بحبة زعفران قذفت في نعارة ماء ثم غذي بأشكالها فتظهر. واختلف الناس في الإنسان ما هو: فقال أبو الهذيل: الإنسان هو الشخص الظاهر المرئي الذي له يدان ورجلان وحكي أن أبا الهذيل كان لا يجعل شعر الإنسان وظفره من الجملة التي وقع عليها اسم الإنسان. وحكي أن قوماً قالوا أن البدن هو الإنسان وأعراضه ليست منه وليس يجوز إلا أن يكون فيه وقال بشر بن المعتمر: الإنسان جسد وروح وأنهما جميعاً إنسان وأن الفعال هو الإنسان الذي هو جسد وروح. وكان أبو الهذيل لا يقول أن كل بعض من أبعاض الجسد فاعل على الانفراد ولا أنه فاعل مع غيره ولكنه يقول الفاعل هو هذه الأبعاض. وقال ضرار بن عمرو: الإنسان من أشياء كثيرة لون وطعم ورائحة وقوة وما أشبه ذلك وأنها الإنسان إذا اجتمعت وليس ها هنا جوهر غيرها. وأنكر حسين النجار أن تكونالقوة بعض الإنسان وأنكر ذلك أكثر أهل النظر. وقال عباد بن سليمان: الإنسان معناه أنه بشر فمعنى إنسان معنى بشر ومعنى بشر معنى إنسان في حقيقة القياس وزعم أن الإنسان جواهر وأعراض. وقال برغوث أن الإنسان هو الأخلاط من اللون والطعم والرائحة وما أشبه ذلك وأن الإنسان إذا تحرك بعضه وسكن بعضه فعل البعض الساكن الحركة لا من جهة ما فعله المتحرك وفعل البعض المتحرك السكون لا من جهة ما فعله الساكن وأن كل بعض من أبعاض الإنسان يفعل فعل الآخر لا من جهة ما فعله الآخر. وحكى زرقان أن هشام بن الحكم قال: الإنسان اسم لمعنيين لبدن وروح فالبدن موات والروح وقال أبو بكر الأصم: الإنسان هو الذي يرى وهو شيء واحد لا روح له وهو جوهر واحد ونفى إلا ما كان محسوساً مدركاً. وقال النظام: الإنسان هو الروح ولكنها مداخلة للبدن مشابكة له وأن كل هذا في كل هذا وأن البدن آفة عليه وحبس وضاغط له وحكى زرقان عنه أن الروح هي الحساسة الدراكة وأنها جزء واحد وأنها ليست بنور ولا ظلمة. وقال معمر: الإنسان جزء لا يتجزأ وهو المدبر في العالم والبدن الظاهر آلة له وليس هو في مكان في الحقيقة ولا يماس شيئاً ولا يماسه ولا يجوز عليه الحركة والسكون والألوان والطعم ولكن يجوز عليه العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة وأنه يحرك هذا البدن بإرادته ويصرفه ولا يماسه. وقال قائلون: الإنسان جزء لا يتجزأ وقد يجوز عليه المماسة والمباينة والحركة والسكون وهو جزء في بعض هذا البدن حال ومسكنه القلب وأجازوا عليه جميع الأعراض وهذا قول الصالحي. وكان ابن الراوندي يقول: هو في القلب وهو غير الروح والروح ساكنة في هذا البدن. وقال قائلون: الإنسان هو الحواس الخمس وهي أجسام وهم المنانية وأنه لا شيء غير الحواس الخمس. وقال آخرون: الإنسان هو الروح والحواس الخمس أجزاء منه والإنسان جنس واحد غير مختلف إلا أن إدراكه اختلف فكان يدرك بكل جهة ما لا يدركه بالأخرى لأن الآفة قد خالطته من جهة على خلاف ما خالطته من جهة أخرى فاختلف الإدراك لاختلاف الأخلاط والامتزاج وهم الديصانية. وحكي عن المرقونية أنهم يزعمون أن البدن فيه حواس خمس وروح وأن الروح هي الإنسان وأن الحواس ليست منه إلا أنها إرادات تؤدي إليه وهو غير البدن وجعلوه جنساً ثالثاً ليس بنور ولا ظلمة. وقال أصحاب الطبائع: الإنسان هو الحر والبرد واليبس والبلة اختلط بهذا الضرب من الاختلاط وكذلك سمعه وسائر حواسه وكذلك جثته ولحمه ودمه وجميع هذه الأمور هي الإنسان. وقال أصحاب الهيولى أقاويل مختلفة: فزعم بعضهم أن الإنسان هو الجوهر الحي الناطق الميت وأنه إنسان في حال نطقه وحياته وجوزوا الموت عليه وقد كان قبل ذلك لا إنساناً وقال بعضهم: الإنسان هو الحي الناطق وهو الجوهر وأعراضه وقال آخرون: بل في الجوهر شيء ليس بمماس ولا مباين ولا أحد منهما مختلط بصاحبه وهو في الجوهر على أنه مدبر له. واختلف الناس في الروح والنفس والحياة وهل الروح هي الحياة أو غيرها وهل الروح جسم أم فقال النظام: الروح هي جسم وهي النفس وزعم أن الروح حي بنفسه وأنكر أن تكون الحياة والقوة معنى غير الحي القوي وأن سبيل كون الروح في هذا البدن على جهة أن البدن آفة عليه وباعث له على الاختيار ولو خلص منه لكانت أفعاله على التولد والاضطرار وقد حكينا قوله في الإنسان فيما تقدم من كتابنا. وقال قائلون: الروح عرض وقال قائلون منهم جعفر بن حرب: لا ندري الروح جوهر أو عرض واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى: " وكان الجبائي يذهب إلى أن الروح جسم وأنها غير الحياة والحياة عرض ويعتل بقول أهل اللغة: خرجت روح الإنسان فزعم أن الروح لا تجوز عليها الأعراض. وقال قائلون: ليس الروح شيئاً أكثر من اعتدال الطبائع الأربع ولم يرجعوا من قولهم اعتدال إلا إلى المعتدل ولم يثبتوا في الدنيا شيئاً إلا الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. وقال قائلون أن الروح معنى خامس غير الطبائع الأربع وأنه ليس في الدنيا إلا الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والروح. فثبتها بعضهم طباعاً وثبتها بعضهم اختياراً وقال قائلون: الروح الدم الصافي الخالص من الكدر والعفونات وكذلك قالوا في القوة وقال قائلون: الحياة هي الحرارة الغريزية وكل هؤلاء الذين حكينا قولهم في الروح من أصحاب الطبائع يثبتون أن الحياة هي الروح. وكان الأصم لا يثبت الحياة والروح شيئاً غير الجسد ويقول: ليس أعقل إلا الجسد الطويل العريض العميق الذي أراه وأشاهده وكان يقول: النفس هي هذا البدن بعينه لا غير وإنما جرى عليها هذا الذكر على جهة البيان والتأكيد لحقيقة الشيء لا على أنها معنى غير البدن. وذكر عن أرسطاطاليس أن النفس معنى مرتفع عن الوقوع تحت التدبير والنشوء والبلى غير داثرة وأنها جوهر بسيط منبث في العالم كله من الحيوان على جهة الإعمال له والتدبير وأنه لا تجوز عليه صفة قلة ولا كثرة وهي على ما وصفت من انبساطها في هذا العالم غير منقسمة الذات والبنية وأنها في كل حيوان العالم بمعنى واحد لا غير. وقال آخرون: بل النفس معنى موجود ذات حدود وأركان وطول وعرض وعمق وأنها غير مفارقة في هذا العالم لغيرها مما يجري عليه حكم الطول والعرض والعمق فكل واحد منهما يجمعهما صفة الحد والنهاية وهذا قول طائفة من الثنوية يقال لهم المنانية. وقالت طائفة أن النفس توصف بما وصفها هؤلاء الذين قدمنا ذكرهم من معنى الحدود والنهايات إلا أنها غير مفارقة لغيرها مما لا يجوز أن يكون موصوفاً بصفة الحيوان وهؤلاء الديصانية. وحكى الحريري عن جعفر بن مبشر أن النفس جوهر ليس هو هذا الجسم وليس بجسم ولكنه معنى بين الجوهر والجسم. وقال آخرون: النفس معنى غير الروح والروح غير الحياة والحياة عنده عرض وهو أبو الهذيل وزعم أنه قد يجوز أن يكون الإنسان في حال نومه مسلوب النفس والروح دون الحياة واستشهد على ذلك بقول الله عز وجل: " وقال جعفر بن حرب: النفس عرض من الأعراض يوجد في هذا الجسم وهو أحد الآلات التي يستعين بها الإنسان على الفعل كالصحة والسلامة وما أشبههما وأنها غير موصوفة بشيء من صفات الجواهر والأجسام. واختلف الناس في الحواس: فقالت المنانية: الإنسان هو الحواس الخمس وأنها أجسام وأنه لا شيء غير الحواس لأن الأشياء عندهم شيئان نور وظلمة وأن النور خمس حواس وأن الظلام خمس حواس سمع وبصر وحاسة وقالت الديصانية أن الظلام موات جاهل لا حس له وأن النور حي بنفسه حساس وأن سمع النور هو بصره وهو ذائقه وهو شامه وإنما اختلف إدراكه فصار يدرك بجهة ما لا يدرك بالجهة الأخرى لأن الآفة خالطته من جهة خلاف ما خالطته من الجهة الأخرى فاختلف الإدراك لاختلاف الأعراض وزعموا أن النور بياض كله وأن الظلام سواد كله وإنما اختلفت الألوان فصار منها صفرة وخضرة إلى غير ذلك لاختلاف اختلاط هذين اللونين وزعموا أن اللون هو الطعم. وحكي عن المرقونية أنهم يزعمون أن البدن فيه روح وحواس خمس وأن الروح غير الحواس وغير البدن. وقد أنكر كثير من الناس الحواس وهم الذين ينفون الأعراض وزعموا أنه ليس إلا السميع البصير الذائق الشام اللامس وليس ها هنا سمع وبصر وحاسة ذوق وحاسة شم وحاسة يكون بها اللمس غير الجسد فدفعوا الحواس وأنكروها. وحكى زرقان عن أبي الهذيل ومعمر أنهما ثبتا الحواس الخمس أعراضاً غير البدن وأنهما ثبتا النفس عرضاً غيرها وغير البدن. وثبت عباد بن سليمان الإنسان ست حواس السمع والبصر وحاسة الذوق وحاسة الشم وحكى الجاحظ أن النظام قال أن النفس تدرك المحسوسات من هذه الخروق التي هي الأذن والفم والأنف والعين لا أن للإنسان سمعاً هو غيره وبصراً هو غيره وأن الإنسان يسمع بنفسه وقد يصم لآفة تدخل عليه وكذلك يبصر بنفسه وقد يعمى لآفة تدخل عليه. على أن يخلق حاسة سادسة غير هذه الحواس لمحسوس سادس أم لا يوصف بالقدرة على ذلك وهل يوصف بالقدرة على أن يخلق لبعض عبيده قدرة على خلق الأجسام أم لا: فزعم زاعمون منهم ضرار بن عمرو وحفص الفرد وسفيان بن سحبان في رجال غيرهم أن البارئ عز وجل يوصف بالقدرة على ذلك وأنه يخلق لعباده في المعاد حاسة سادسة يدركون بها ماهيته أي يدركون بها ما هو وأبى أكثر أهل الكلام من المعتزلة والخوارج وكثير من الشيع وكثير من المرجئة ذلك. وقال قائلون أن البارئ قادر أن يقدر عباده على خلق الأجسام وأبى أكثر الناس ذلك. فقال قائلون: هي أجناس مختلفة جنس السمع غير جنس البصر وكذلك حكم كل حاسة: جنسها مخالف لسائر أجناس الحواس وهي على اختلافها أعراض غير الحساس وهذا قول كثير وقال قائلون: كل حاسة خلاف الحاسة الأخرى ولا نقول هي مخالفة لها لأن المخالف هو ما كان مخالفاً بخلاف وهذا قول أبي الهذيل. وزعم عمرو بن بحر الجاحظ أن الحواس جنس واحد وأن حاسة البصر من جنس حاسة السمع ومن جنس سائر الحواس وإنما يكون الاختلاف في جنس المحسوس وفي موانع الحساس والحواس لا غير ذلك لأن النفس هي المدركة من هذه الفتوح ومن هذه الطرق وإنما اختلفت فصار واحد منها سمعاً وآخر بصراً وآخر شماً على قدر ما مازجها من الموانع فأما جوهر الحساس فلا يختلف ولو اختلف جوهر الحساس لتمانع ولتفاسد كتمانع المختلف وتفاسد المتضاد وزعم أن اختلاف المحسوس من اللون والصوت في جنسهما وأنفسهما واو كان يدل على اختلاف جنس البصر والسمع لكان ينبغي أن يكون بعض البصر أشد خلافاً لبعض من السمع للبصر لأن السواد وإن كان مرئياً فهو أشد مخالفة لجنس البياض من جنس الحموضة للسواد قال فلما كان ذلك فاسداً لم يجب أن تختلف الحواس لاختلاف المحسوسات قال الجاحظ: فالحساس ضرب واحد والحس ضرب واحد والمحسوسات ثلاثة أضرب: مختلف كالطعم واللون ومتفق ك. ومتضاد كالسواد والبياض وكان يجيب عن قول من قال: هل يقدر الله سبحانه أن يخلق حاسة سادسة لا تعقل كيفيتها لمحسوس سادس لا تعلم كيفيته بأنه وإن كان لا تعلم كيفية ذلك المحسوس فقد علم أنه لا يخلو من أن يدرك بالمجاورة أو بالمداخلة أو بالاتصال ولا بد لتلك الحاسة من أن تكون من جنس الحواس الخمس كما أن حاسة البصر من جنس حاسة السمع. وزعم الجاحظ أن أصحابه اختلفوا في اختلاف طرق الحواس وشوائبها ومن أي شيء موانعها: فزعم قوم أن الذي منع السمع من وجود اللون أن شائبه ومانعه من جنس الظلام الذي يمنع من درك اللون ولا يمنع من درك الصوت وأن الذي منع البصر من وجود الأصوات أن شائبه من جنس الزجاج الذي يمنع من درك الصوت ولا يمنع من درك اللون قال وعلى مثل هذا رتبوا اختلاف موانع الحواس وشوائب هذه الطرق والفتوح. قال: وزعم آخرون أنه إنما صار الفم يجد الطعوم دون الأراييح والأصوات والألوان لأن الغالب على شوائبه الطعوم دون غيرها وأن كل شيء منها ما سوى الطعوم فقليل ممنوع ومستفرغ القوى مشغول وكذلك الغالب على شوائب الأسماع الأصوات وعلى شوائب الأنوف الأراييح. قال: وزعم آخرون أن البصر إنما أدرك الألوان دون الطعوم والأراييح والأصوات لقلة الألوان فيه ولو كانت كثيرة لكان منعها أشد ولو أفرطت عليه لما وجد لوناً رأساً لأن الألوان هي التي تمنع من الألوان فلقلة الموانع من اللون أدرك اللون وكذلك الذائق والشام والسامع وزعم الجاحظ أن هذا هو القياس على أصول النظام وأن النظام كان يعتل للقولين الأولين. فزعم زاعمون أن ذلك إدراك للملموس والمذوق والمشموم وقال آخرون أن ذلك ليس بإدراك للملموس والمذوق والمشموم وأن الإدراك للملموس والمذوق والمشموم غير الذوق واللمس والشم منهم الجبائي وغيره. واختلف الناس في الحركات والسكون والأفعال: فقال الأصم: لا أثبت إلا الجسم الطويل العريض العميق ولم يثبت حركة غير الجسم ولا يثبت سكوناً غيره ولا فعلاً غيره ولا قياماً غيره ولا قعوداً غيره ولا افتراقاً ولا اجتماعاً ولا حركة ولا سكوناً ولا لوناً غيره ولا صوتاً ولا طعماً غيره ولا رائحة غيره. فأما بعض أهل النظر ممن يزعم أن الأصم قد علم الحركات والسكون والألوان ضرورة وإن لم يعلم أنها غير الجسم فإنه يحكى عنه أنه كان لا يثبت الحركة والسكون وسائر الأفعال غير الجسم ولا يحكى عنه أنه كان لا يثبت حركة ولا سكوناً ولا قياماً ولا قعوداً ولا فعلاً. فأما من زعم أن الأصم كان لا يعلم الأعراض على وجه من الوجوه فإنه يحكى عنه أنه كان لا يثبت حركة ولا سكوناً ولا قياماً ولا قعوداً ولا اجتماعاً ولا افتراقاً على وجه من الوجوه وكذلك يقول في سائر الأعراض. وقال هشام بن الحكم: الحركات وسائر الأفعال من القيام والقعود والإرادة والكراهة والطاعة والمعصية وسائر المثبتون الأعراض أعراضاً أنها صفات الأجسام لا هي الأجسام ولا غيرها أنها ليست بأجسام فيقع عليها التغاير. وقد حكي هذا عن بعض المتقدمين وأنه كان يقول كما حكينا عن هشام وأنه لم يكن يثبت أعراضاً غير الأجسام. وحكي عن هشام أنه كان لا يزعم أن صفات الإنسان أشياء لأن الأشياء هي الأجسام عنده وكان يزعم أنها معان وليست بأشياء. وحكى زرقان عن هشام بن الحكم أنه كان يزعم أن الحركة معنى وأن السكون ليس بمعنى فإن لم يكن ما حكاه من ذلك صحيحاً فقد كان بعض المتقدمين يزعم أن العالم كان ساكناً متحركاً وأن الحركة معنى وأن السكون ليس بمعنى حكاه أبو عيسى عن أصحاب الطبائع. وقال قائلون منهم أبو الهذيل وهشام وبشر بن المعتمر وجعفر بن حرب والإسكافي وغيرهم: الحركات والسكون والقيام والقعود والاجتماع والافتراق والطول والعرض والألوان والطعوم والأراييح والأصوات والكلام والسكوت والطاعة والمعصية والكفر والإيمان وسائر أفعال الإنسان والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة أعراض غير الأجسام. وقال ضرار بن عمرو: الألوان والطعوم والأراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والزنة أبعاض الجسم وأنها متجاورة وحكي عنه مثل ذلك في الاستطاعة والحياة وزعم أن الحركات والسكون وسائر الأفعال التي تكون من الأجسام أعراض لا أجسام وحكي عنه في التأليف أنه كان يثبته بعض الجسم فأما غيره ممن كان يذهب إلى قوله في الأجسام فإنه يثبت التأليف والاجتماع والافتراق والاستطاعة غير الأجسام. وقال قائلون: السواد هو غير السواد وكذلك الحلاوة هي غير الحلو وكذلك الحموضة هي غير الشيء الحامض ولم يثبتوا اللون غير الملون ولا يثبتون طعم الشيء غيره. وحكى زرقان عن جهم بن صفوان أنه كان يزعم أن الحركة جسم ومحال أن تكون غير جسم لأن غير الجسم هو الله سبحانه فلا يكون شيء يشبهه. وحكي عن الجواليقية وشيطان الطاق أن الحركات هي أفعال الخلق لأن الله عز وجل أمرهم بالفعل ولا يكون مفعولاً إلا ما كان طويلاً عريضاً عميقاً وما كان غير طويل ولا عريض ولا عميق فليس بمفعول. وقال إبراهيم النظام: أفاعيل الناس كلها حركات وهي أعراض وإنما يقال سكون في اللغة: إذا اعتمد الجسم في المكان وقتين قيل سكن في المكان لا أن السكون معنى غير اعتماده وزعم أن الاعتمادات والأكوان هي الحركات وأن الحركات على ضربين: حركة اعتماد في المكان وحركة نقلة وكان النظام فيما حكي عنه يزعم أن الطول هو الطويل وأن العرض هو العريض وكان يثبت الألوان والطعوم والأراييح والأصوات والآلام والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أجساماً لطافاً ويزعم أن حيز اللون هو حيز الطعم والرائحة وأن الأجسام اللطاف قد تحل في حيز واحد وكان لا يثبت عرضاً إلا الحركة فقط. وقال معمر: الأكوان كلها سكون وإنما يقال لبعضها حركات في اللغة وهي كلها سكون في الحقيقة وكان يثبت الألوان والطعوم والأراييح والأصوات والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة غير الأجسام. وكان عباد بن سليمان يثبت الأعراض غير الأجسام فإذا قيل له: تقول الحركة غير المتحرك والأسود غير السواد امتنع من ذلك وقال: قولي في الجسم متحرك إخبار عن جسم وحركة فلا يجوز أن أقول الحركة غير المتحرك إذ كان قولي متحرك إخباراً عن جسم وحركة ولكن أقول الحركة غير الجسم. وقال قائلون من أصحاب الطبائع أن الأجسام كلها من أربع طبائع حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وأن الطبائع الأربع أجسام ولم يثبتوا أشياء إلا هذه الطبائع الأربع وأنكروا الحركات وزعموا أن الألوان والطعوم والأراييح هي الطبائع الأربع. وقال قائلون منهم أن الأجسام من أربع طبائع وأثبتوا الحركات ولم يثبتوا عرضاً غيرها وثبتوا الألوان والأراييح من هذه الطبائع. وقال قائلون: الأجسام من أربع طبائع وروح سابحة فيها وأنهم لا يعقلون جسماً إلا هذه الخمسة الأشياء وأثبتوا الحركات أعراضاً. وقال قائلون بإبطال الأعراض والحركات والسكون وأثبتوا السواد وهو عين الشيء الأسود لا غيره وكذلك البياض وسائر الألوان وكذلك الحلاوة والحموضة وسائر الطعوم وكذلك قولهم في الأراييح وفي الحرارة أنها عين الشيء الحار لا غيره وكذلك قولهم في الرطوبة والبرودة واليبوسة وكذلك قولهم في الحياة أنها هي الحي وهؤلاء منهم من يثبت حركة الجسم وفعله غيره ومنهم من لا يثبت عرضاً غير الجسم على وجه من الوجوه. وحكي عن بعض أهل التثنية من المنانية أنهم يزعمون أن الأجسام من أصلين وأن كل واحد من الأصلين من خمسة أجناس: من سواد وبياض وصفرة وخضرة وحمرة وأنهم لا يعقلون جسماً إلا ما كان كذلك وأنهم دانوا بإبطال الأعراض. وحكي عن بعض أهل التثنية من الديصانية أنهم ثبتوا الأجسام من أصلين وأنهم زعموا أن أحد الأصلين سواد كله والآخر بياض كله وأن النور هو البياض وأن الظلام هو السواد وأن سائر الألوان من هذين اللونين وإنما اختلفت الألوان فصار منها صفرة وحمرة وخضرة لاختلاف امتزاج هذين اللونين وأنهم أنكروا الأعراض. فأما أبو عيسى الوراق فإنه حكى أن من أهل التثنية من يثبت الأعراض من الحركات والسكون وسائر الأفعال غير الأجسام وأن منهم من يزعم أنها صفات الأجسام لا هي الأجسام ولا غيرها وأن منهم من نفاها وأبطلها وزعم أنه لا حركة ولا سكون ولا فعل غير الأصلين. وهل الطعم هو الرائحة أم هو غيرها: فقال قائلون: اللون هو الطعم وهو الرائحة وهو الصوت والجو وكذلك قولهم في السمع والبصر والذائق والشام وهؤلاء هم الديصانية. وقال قائلون: اللون غير الطعم والطعم غير الرائحة والرائحة غير الجو والجو غير الصوت وهذا قول أكثر أهل النظر. واختلف الذين أثبتوا الحركات أعراضاً غير الأجسام في الحركات هل هي مشتبهة أم لا وهل هي جنس واحد أم أجناس كثيرة أم ليست بأجناس: فقال أبو الهذيل: الحركة لا يجوز أن تشبه الحركة وكذلك العرض لا يجوز أن يشبه العرض لأن المشتبهين يشتبهان باشتباه ولكن قد يقال أن الحركة شبه الحركة وزعم أن الإنسان يقدر على حركة وسكون فإن فعل الحركة في الوقت الثاني من وقت قدره وفعل معها كوناً يمنة فهي حركة يمنة وإن فعل معها كوناً يسرة فهي حركة يسرة وكذلك القول في سائر الجهات لأنا إذا قلنا: حركة يمنة فقد ذكرنا الحركة وكوناً يمنة وكذلك إذا قلنا الحركة يسرة فإنما ثبتنا الحركة وكوناً يسرة. والحركات عنده غير الأكوان والمماسات وكذلك السكون عنده غير الأكوان والمماسات ولم يكن يزعم أنه قادر أن يفعل في الوقت الأول حركات في الثاني وإنما يقدر على حركة وسكون فأي الأكوان فعله وهي الثاني فالحركة حركة في تلك الجهة مع الكون ولم يكن يجعل حركة خلافاً لحركة وكان أيضاً لا يزعم أن الأعراض لا تختلف لأن المختلف باختلاف يختلف عنده وكان لا يزعم أن الخلاف ما كان الشيئان به مختلفين وكذلك الوفاق ما كانا به متفقين وكان يزعم أن شيئاً يخالف شيئاً بنفسه أو يشبهه ويوافقه بنفسه وكان لا يقول البارئ مخالف للعالم. وقال إبراهيم النظام: حركات الإنسان وأفعاله كلها جنس واحد وأن الحركات هي الأكوان وأن الجنس الواحد لا يفعل شيئين متضادين كما لا يكون بالنار تبريد وتسخين وزعم أن التصاعد من جنس الانحدار والتيامن من جنس التياسر والطاعة من جنس المعصية والكفر من جنس الإيمان والصدق من جنس الكذب. وقال قائلون: الحركات أجناس وأنها متضادات والتيامن ضد التياسر والقيام ضد القعود والتقدم ضد التأخر والتصاعد ضد الانحدار وأن هذه المتضادات من الأعراض مختلفة فمنها ما يختلف بنفسه كالسواد والبياض ومنها ما يختلف لعلة هي غيره ك. ومنها ما يختلف لا لنفسه ولا لعلة هي غيره كالتيامن والتياسر وما أشبه ذلك وأن الحركة والسكون هي الأكوان وأن الإنسان يقدر أن يفعل السكون في الثاني وحركات مختلفات متضادات على البدل. وقد تكون الطاعة عند هؤلاء القائلين من جنس المعصية كالحركتين في الجهة الواحدة يؤمر بإحداهما فتكون طاعة وينهى عن الأخرى فتكون معصية فقد تكون الطاعة من جنس المعصية وقد تكون ضدها كالحركتين في جهتين مختلفتين وقد يفعل الفاعل الواحد أفعالاً متضادة كالحركة والسكون. وزعم صاحب هذا القول أن الأعراض تشتبه بأنفسها كالسوادين والبياضين وأنها تتفق بأنفسها وأن الجواهر مشتبهة بأنفسها وكذلك الأعراض المختلفة تختلف بأنفسها كالسواد والبياض. وكان يزعم مرة أن الذهاب يمنة من جنس الذهاب يمنة ثم رجع عن هذا وزعم أن الذهاب يمنة إذا كان في مكان فهو ضد الذهاب يمنة في مكان آخر لأن الكون في مكان يضاد الكون في غيره وكان لا يثبت متفقين مشتبهين يتفقان بغيرهما وإنما يتفق المتفقان بأنفسهما وكذلك المشتبهان وهذا قول محمد بن عبد الوهاب الجبائي. وزعم بعض المتكلمين أن الأعراض تشتبه بغيرها وأن الأعراض مختلفة بأنفسها والأجسام تختلف بغيرها وهذا قول البغداذيين الخياط وغيره. وزعم البغداديون من المعتزلة أن الطاعة لا تكون من جنس المعصية وأن الكفر لا يكون من جنس الإيمان وأن الحركة لا تكون من جنس السكون. وقال حسين النجار ومن قال بقوله أن الأشياء المحدثات كلها مشتبهة في باب الحدث متفقة فيه أجسامها وأعراضها وأنه لا يشبه المخلوق إلا مخلوق لأنه لو جاز أن يشبه المخلوق ما ليس بمخلوق لجاز أن يشبه الخالق ما ليس بخالق. واختلف المتكلمون في معنى الحركة والسكون وأين محل ذلك في الجسم هل هو في المكان الأول أو الثاني: فقال قائلون: معنى الحركة معنى الكون والحركات كلها اعتمادات ومنها انتقال ومنها ما ليس بانتقال والقائل بهذا القول النظام وزعم أن الجسم إذا تحرك من مكان إلى مكان فالحركة تحدث في الأول وهي اعتماداته التي توجب الكون في الثاني وأن الكون في الثاني هو حركة الجسم في الثاني. وكان محمد بن شبيب يثبت الحركة والسكون ويزعم أنهما الأكوان وأن الأكوان منها حركة ومنها سكون وأن الإنسان إذا تحرك إلى الثاني فاعتماده في المكان الأول الذي يوجب الكون في الثاني ونقله وزوال إذا صار الجسم إلى الثاني لأن أهل اللغة لم يسموا الجسم زائلاً منتقلاً متحركاً عن الأول إلا إذا صار إلى المكان الثاني فالمعنى حدث فيه وهو في المكان الأول وسمي زوالاً في حال كونه في المكان الثاني لاتساع اللغة ونتكلم بكلام الناس على سبيل ما تكلموا به وقد يكون الكون في المكان الثاني حركة ويكون سكوناً فإن كان حركة أوجب كوناً في المكان الثالث وكان سكوناً في الثاني. وقال معمر: معنى السكون أنه الكون ولا سكون إلا كون ولا كون إلا سكون. وقال أبو الهذيل: الحركات والسكون غير الأكوان والمماسات وحركة الجسم عن المكان الأول إلى الثاني تحدث فيه وهو في المكان الثاني في حال كونه فيها وهي انتقاله عن المكان الأول وخروجه عنه وسكون الجسم في المكان هو لبثه فيه زمانين فلا بد في الحركة عن المكان من مكانين وزمانين ولا بد للسكون من زمانين. وقال عباد: الحركات والسكون مماسات وزعم أن معنى حركة معنى زوال. وقال بشر بن المعتمر: الحركة تحدث لا في المكان الأول ولا في الثاني ولكن يتحرك بها الجسم عن الأول إلى الثاني. وكان الجبائي يزعم أن الحركة والسكون أكوان وأن معنى الحركة معنى الزوال فلا حركة إلا وهي زوال وأنه ليس معنى الحركة معنى الانتقال وأن الحركة المعدومة تسمى زوالاً قبل كونها ولا تسمى انتقالاً فقلت له: فلم لا تثبت كل حركة انتقالاً كما تثبت كل حركة زوالاً فقال: من قبل أن حبلاً لو كان معلقاً بسقف فحركه إنسان لقلنا: زال واضطرب وتحرك ولم نقل أنه انتقل فقلت له: ولم لا يقال انتقل في الجو كما قيل تحرك وزال واضطرب فلم يأت بشيء يوجب التفرقة. واختلف المتكلمون فيما يوصف به الشيء: لنفسه يوصف أو لعلة وفي الطاعة حسنت لنفسها أو لعلة. فقال قائلون: كل معصية كان يجوز أن يأمر الله سبحانه بها فهي قبيحة للنهي وكل معصية كان لا يجوز أن يبيحها الله سبحانه فهي قبيحة لنفسها كالجهل به والاعتقاد بخلافه وكذلك كل ما جاز أن لا يأمر الله سبحانه فهو حسن للأمر به وكل ما لم يجز إلا أن يأمر به فهو حسن لنفسه وهذا قول النظام. وقال الإسكافي في الحسن من الطاعات حسن لنفسه والقبيح أيضاً قبيح لنفسه لا لعلة وأظنه كان يقول في الطاعة أنها طاعة لنفسها وفي المعصية أنها معصية لنفسها. وقال قائلون: الطاعة إنما سميت طاعة لله لأنه أمر بها لا لنفسها. وقال قائلون: كل ما يوصف به الشيء فلنفسه وصف به وأنكروا الأعراض والصفات. وقال قائلون: كل ما وصف به الشيء فإنما وصف به لمعنى هو صفة له وهو قول ابن كلاب وكان يقول: كل معنى وصف به الشيء فهو صفة له. وقال قائلون: ما وصف به الشيء قد يكون لنفسه لا لمعنى كالقول سواد وبياض وكالقول في القديم أنه قديم عالم وقد يكون لعلة كالقول متحرك ساكن من غير أن تكون الحركة صفة له أو السكون وثبتوا أن الصفات هي الأقوال والكلام كقولنا عالم قادر فهي صفات أسماء وكالقول يعلم ويقدر فهذه صفات لا أسماء وكالقول شيء فهذا اسم لا صفة. وقال قائلون: قد يوصف الشيء بصفة لنفسه كقولنا سواد وبياض وقد يوصف لعلة كقولنا متحرك ساكن وقد يوصف لا لنفسه ولا لعلة كقولنا محدث. واختلف الناس في الأعراض هل تبقى أم لا: فقال قائلون: الأعراض كلها لا تبقى وقتين لأن الباقي إنما يكون باقياً بنفسه أو ببقاء فيه فلا يجوز أن تكون باقية بأنفسها لأن هذا يوجب بقاءها في حال حدوثها ولا يجوز أن تبقى ببقاء يحدث فيها لأنها لا تحتمل الأعراض والقائل بهذا أحمد بن علي الشطوي وقال به أبو القاسم البلخي ومحمد بن عبد الله بن مملك الأصبهاني وزعم هؤلاء أن الألوان والطعوم والأراييح والحياة والقدرة والعجز والموت والكلام والأصوات أعراض وأنها لا تبقى وقتين وهو يثبتون الأعراض كلها ويزعمون أنها لا تبقى زمانين. وقال قائلون أنه لا عرض إلا الحركات وأنه لا يجوز أن تبقى والقائل بهذا النظام. وقال أبو الهذيل: الأعراض منها ما يبقى ومنها ما لا يبقى والحركات كلها لا تبقى والسكون منه ما يبقى ومنه ما لا يبقى وزعم أن سكون أهل الجنة سكون باق وكذلك أكوانهم وحركاتهم منقطعة متقضية لها آخر وكان يزعم أن الألوان تبقى وكذلك الطعوم والأراييح والحياة والقدرة تبقى ببقاء لا في مكان ويزعم أن البقاء هو قول الله عز وجل للشيء ابقه وكذلك في بقاء الجسم وفي بقاء كل ما يبقى من الأعراض وكذلك كان يزعم أن الآلام تبقى وكذلك اللذات فآلام أهل النار باقية فيهم ولذات أهل الجنة باقية فيهم. وكان محمد بن شبيب يزعم أن الحركات لا تبقى وكذلك السكون لا يبقى. وكان محمد بن عبد الوهاب الجبائي يقول: الحركات كلها لا تبقى والسكون على ضربين: سكون الجماد وسكون الحيوان فسكون الحي المباشر الذي يفعله في نفسه لا يبقى وسكون الموات يبقى وكان يقول أن الألوان والطعوم والأراييح والحياة والقدرة والصحة تبقى ويقول ببقاء أعراض كثيرة وكان يقول أن كل ما فعله الحي في نفسه مباشراً من الأعراض فهو غير باق وكذلك يقول أن الباقي من الأعراض يبقى لا ببقاء وكذلك يقول في الأجسام أنها تبقى لا ببقاء وكذلك يجيز بقاء الكلام. وقال قائلون في الحركة أنها لا يجوز أن تبقى ولا يجوز أن تعاد. وقال ضرار بن عمرو والحسين بن محمد النجار أن الأعراض التي هي غير الأجسام يستحيل أن تبقى زمانين وكان ضرار والحسين النجار يقولان: البقاء للجسم الذي هو أبعاض منها كذا ومنها كذا. وكان النجار ينكر بقاء الاستطاعة لأنها ليست بداخلة في جملة الجسم وهي غيره ويستحيل أن يكون في غيرها لأنه يستحيل لأن يبقى الشيء ببقاء في غيره. وقال بشر بن المعتمر: السكون يبقى ولا يتقضى إلا بأن يخرج الساكن منه إلى حركة وكذلك السواد يبقى ولا يتقضى إلا بأن يخرج منه الأسود إلى ضده من بياض أو غيره وكذلك في سائر الأعراض على هذا الترتيب.
|